في كل مرة أحاول الكتابة فيها ولا أنجح، أحاول اعتصار العقل ليخرج بفكرة فلا أفعل ، وفي كل مرة يخونني القلم فلا يكتب كسريان النهر كما تعودت ، أو في كل مرة أنصت لصوت خلايا عقلي محاولة صناعة سمفونية اخرجها على الورق فأفشل في التلحين ، أقوم باستدعاء شبح شهر زاد.
هذه المرأة حاولت اعتصار عقلها ليال طويلة ، لتقص حكايات كثيرة على الملك شهريار حتى لا تتعرض للقتل ، هل كان الضغط هو من جعلها تفعل؟ هل كان الأدرنالين في أعلى مستوياته لديها حينها ؟!! ربما ، أم أن خيالها الحساس جدا التقط الأشياء حوله وحاول أن يصنع تلك القصص؟!!
لكن المؤكد حقا انها نجحت ، لأجل ذلك كل ما أصابتني تلك الحالة ، استدعي تلك المرأة بجبروتها وقوتها واحاول تهيئة عقلي للكتابة.
فهل هناك حقا مايدعى فعلا ب (Writer's block) او متلازمة الصفحة البيضاء لدى الكاتب؟
حسنا قد يتوقف أحدهم عن القراءة ويقول لنفسه ماشأني وشأن المقال هو موجه للكتاب، حسنا ربما يكون المقال يساعد الكتاب حقا لكن من منا لا يكتب؟ من منا لا يود التعبير عن بواطن النفس؟ ، ماهو ذلك الأساس الذي صنعت من أجله وسائل التواصل؟أليست الكتابة؟ او التفريغ او البوح بمكنونات الصدور؟
إن شبح شهر زاد يقف فوق رأسي الآن بعد أن استدعيته وبعد فترة صمت ليست بقصيرة تكلمت شهر زاد:
- ماذا تريدين؟ قالت لي بصوت غاضب لأني على مايبدو أزعجت رقادها الهادئ !
- أريد أن أكتب!
- وماذا يمنعك أن تفعلي؟
- عقلي صفحة بيضاء لا أشعر أن هناك فكرة واحدة
- كذب
- لماذا ؟
- لأن هناك أفكار لكنها مختبئة في مكان ما
- وما الحل في أن أجعلها تخرج اذن ؟
- لعلك مهمومة أو مشتتة الذهن ؟ فهل جربت الاستجمام كما قال الرافعي في كتابه (رسائل الرافعي) "ومتى شعرت بالتعب فدع القراءة أو العمل ، حتى تستجم ثم ارجع إلى عملك "
- لكني لست متعبة انا بحالة جيدة ولكن لا أستطيع التفكير
- اذن ياعزيزتي ينقصك الالهام !!
- كيف؟
- ماذا عن استماعك للموسيقي لفترة ليست بقصيرة ؟ لعلها تثقل روحك بتذوق الجمال؟ أوالاستماع إلى فيلم ما او شعر هنا أو نثر هناك ، و مشاهدة اعلان ما او فيلما وثائقيا ، وقرأءة رواية أو مجلة فينتابك احساس أو حالة تؤدي بدورها إلى الفكرة؟تمرس المعرفة شيئ هام ، تعرفين ان توفيق الحكيم في كتاب له بعنوان (ادب الحياة) يقول "في الأدب والفن، أي في شؤون الفكر والروح فإن الإلهام لا يظهر لنا في صورة كيان مادي، بل يبرق من خلال فكرة أو إحساس"
- فعلت كل ذلك ولم يفلح معي
- هل المكان حولك ملائما؟ ربما تكتبين في مكان لا تألفه روحك
- لا انما أكتب في أماكن أحبها كثيرا
- هل لديك اذن من وسائل التشتت ماتعوق فكرك؟
- ماذا تقصدين؟
- وسائل التواصل التي تسرق العمر و التلفاز..أو تلك الاجتماعيات التي أحيانا علينا ان نجحم منها اذا تعلق الأمر بعمل علينا الانتهاء منه ...لانه الأولية حينها !
- أنا اغلق كل شيئ حولي ...فلا أسمع إلا صوت الهدوء
- وماذا عن المشي ؟ تعرفين ان المشي يحفز التفكير الابداعي..وذلك مذكور في دراسة بجامعة ستنافورد بكاليفورنيا – الولايات المتحدة كما انك لو مارستيه صباحا ستكون دنياك حافلة بأصوات الطيور والعصافير والطبيعة التي من شأنها ان تزيد خيالاتك
- أحيانا ينجح معي ذلك الأمر وأحيانا يفشل
- هل لك اذن طقوس خاصة أثناء الكتابة لم تعودي لتمارسيها؟ تعرفين في كتاب اسمه (طقوس الروائيين) لعبد الله ناصر داوود..يقول" أن الكاتبة أجاثا كريستي تأتيها أفضل أفكارها في البانيو في الحمام ، فكانت تجلس بالساعات لتخرج بفكرة "
- افعل طقوسي اليومية لكن لا شيئ جديد
- حسنا وماذا عن الحديث مع صديق او مجموعة من الاصدقاء ممن يثقلون فكرك ؟!! النقاش والحوار الهادئ وحتى العصف الذهني مع مجموعة من الناس تكون منهما أفضل أفكارك
- ربما أفعل
- وبالمثل الذهاب إلى متاحف الفنون وأماكن الطبيعة الخلابة، وتأمل الجمال فترات طويلة
- فكرة جيدة جدا
- هناك شيئ أخر ربما انت غير محددة فيما تكتبين.ربما لديك أصوات عدة بحاجة أن توحديها اذن..مثلا عن ماذا تكتبين؟ ربما وجد عقلك المجال واسعا، حددي له مجالا كي يخرج بفكرة !!
-انا بحاجة لذلك بالفعل
- وأخيرا عزيزتي أود أن أخبرك شيئا ، هناك كاتب يدعي جاسكون براون قال في كتابه (ارشادات الحياة القصيرة) :
"لاتضع الوقت في انتظارالالهام إبدأ عملك والالهام سوف يجد طريقه اليك"
ما أقصده عزيزتي حتى لو لم تجدى فكرة ، حتى لو كان عقلك صفحة بيضاء ، اكتبي عن نفسك ، اكتبي اللذي فعلتيه في يومك ، اكتبي عن مشاعرك محبطة ، سعيدة ، حزينة ، اكتبي حتى أنك لا تجدين فكرة، اكتبي حتى ولو كان هراء ، فان الهراء ربما سيقودك الى الابداع في نهاية الأمر والآن علي الانصراف، اتركيني فترة بلا ازعاج رجاء.
ودعتها وتركتها تنصرف بعد أن أقنعتني وأشعلت في قلبي وروحي الحماسة من جديد فهل أقنعتك انت أيضا ؟!!
دمتم بخير